ريم عضو زهبى
عدد الرسائل : 692 العمر : 33 البلد : مصر تاريخ التسجيل : 20/02/2008
| موضوع: وأنك لعلى خلقٍ عظيم الخميس أبريل 10, 2008 10:33 am | |
| لو لم تكن للنبي صلى الله عليه وسلم كل تلك النياشين الربانية، والمنح الإلهية، التي خصه بها ربنا تبارك وتعالى، والتي تمثل براهين ساطعة كالشمس في رابعة النهار، على صدق دعوته، وسماوية رسالته، لكان في خلقه الكريم أبلغ معجزة، تقوم في قوة دليلها مقام كل تلك الآيات الباهرات. فمن يراه صلى الله عليه وسلم أو يستنشق شذى سرته العطرة، ليحسب أن أخلاق الدنيا بأسرها بكل ما فيها من قيم عالية، ومثل سامية قد جسمت في دم ولحم، فغدت كائناً حياً يمشي على قدمين، ممثلة في هذه الشخصية المعجزة ولم لا، وقد كان صلى الله عليه وسلم قرآناً يمشي على الأرض، بعد أن أدبه ربه، فأحسن تأديبه، حتى قال ربنا يبين تلك الحقيقة: ((وإنك لعلى خلق عظيم)) (القلم: 4).
فماذا نقول في وصف هذا الكائن المعجز؟[/centr فهو أحسن الناس خلقاً، وأسدهم قولاً، وأمثلهم طريقةً، وأصدقهم خبراً، وأعدلهم حكماً، وأطهرهم صدراً، وأتقاهم لربه، وأخشاهم لمولاه، وأعلمهم بالأمة، وأوصلهم لرحمه، وأزكاهم منبتاً، وأكرمهم مُحتداً، وأشجعهم قلباً، وأثبتهم جناناً، وأمضاهم حجة، وخيرهم نفساً ونسباً، وخلقاً وديناً، فسبحان من تولى تربيته وتنشئته على عينه ، وهذه بعض القطرات من رحيق سيرته الفواح، ليغزو حب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلبك؛ حتى يكون أحب إليك من نفسك، ووالدك وولدك، والناس أجمعين. [center] الصادق الأمين: فهو أصدق من تكلم، كلامه حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جاداً أو مازحاً، بل حرم الكذب وذمه أهله، ونهى عنه، وقال: ((إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق، حتى يكتب عند الله صديقاً)). فكل قوله وعمله وحاله مبني على الصدق، فهو الصادق المصدوق الذي لم يحفظ له حرف واحد غير صادق فيه، ولا كلمة واحدة خلاف الحق، ولم يخالف ظاهره باطنه، بل لقد كان صادقاً حتى في لحظاته ولفظاته، وإشارات عينيه، وهو الذي يقول صلى الله عليه و سلم((إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين)) ، وذلك لما قاله له أصحابه: ألا أشرت لنا بعينك في قتل الأسير؟!
صبر يشتكي منه الصبر: فلا يعلم أحد مر به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مر به صلى الله عليه وسلم، وهو صابر محتسب: ((واصبر وما صبرك إلا بالله)) (النحل: 127). صبر على اليتم، والفقر، والعوز، والجوع، والحاجة، والتعب، والحسد، والشماتة، وغلبة العدو وأحياناً، وصبر على الطرد من الوطن، والإخراج من الدار، و الإبعاد عن الأهل. وصبر على قتل القرابة، والفتك بالأصحاب، وتشريد الأتباع، وتكالب الأعداء، وتحزب الخصوم، واجتماع المحاربين، وصلف المغرضين، وكبر الجبارين، وجهل الأعراب، وجفاء البادية، ومكر اليهود، وعتو النصارى، وخبث المنافقين وصبر على تجهم القريب، وتكالب البعيد، وصولة الباطل، وطغيان المكذبين، وصبر على الدنيا بزينتها، وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء، وصبر على إغراء الولاية، وبريق المنصب، وشهوة الرئاسة، فصدف عن حياته، فالصبر درعه، وترسه، وصاحبه، وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه تذكر: ((فاصبر على ما يقولون)) (طه: 130). ولكن بلغ به الحال أشده، والأمر أضيقه، تذكر: ((فصبرٌ جميل)) (يوسف).وكلما راعه هول العدو، وأفض مضجعه تخطيط الكفار؛ تذكر: ((فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل)) (الأحقاف:35).
نبع الجود والكرم: فهو أكرم من خلق الله، وأجود البرية نفساً ويداً، فكفه غمامة الخير، ويده غيث الجود،, بل هو أسرع بالخير من الريح المرسلة، لا يعرف ((لا)) إلا في التشهد يعطي صلى الله عليه وسلم عطاء من لا يخشى الفقر، لأنه بعث بمكارم الأخلاق، فهو سيد الأجواد على الإطلاق، أعطى غنماً بين جبلين، وأعطى كل رئيس قبيلة من العرب مائة ناقة، وسأله سائل ثوبه الذي يلبسه، فخلعه وأعطاه، وكان لا يرد طالب حاجة، قد وسع الناس بره، طعامه مبذول، وكفه مدرار، وصدره واسع، وخلقه سهل، ووجهه بسام الفارس المقدام: هذا مما تناقلته الأخبار، وسار مسير الشمس في رابعة النهار، فكان أثبت الناس قلباً، وكان كالطود لا يتزعزع ولا يتزلزل، ولا يخاف التهديد والوعيد، ولا ترهبه الموافق والأزمات، ولا تهزه الحوادث والملمات. فوض أمره لربه، وتوكل عليه، فكان عليه الصلاة والسلام يخوض المعارك بنفسه، ويباشر القتال بشخصه، يعرض روحه للمنايا، ويقدم نفسه للموت، غير هائب ولا خائف، ولم يفر من معركة قط، وما تراجع خطوة واحدة ساعة يحمي الوطيس، وتقوم الحرب على ساق، وتشرع السيوف وتمتشق الرماح، وتهوي الرءوس ويدور كأس المنايا على النفوس. فهو في تلك اللحظة أقرب أصحابه من الخطر، يحتمون أحياناً وهو صامد مجاهد، لا يكترث بالعدو ولو كثر عدده، ولا يأبه بالخصم ولو قوي بأسه، بل كان يعدل الصفوف، ويشجع المقاتلين، ويتقدم الكتائب، وقد فر الناس يوم حنين، وما ثبت إلا هو وستة من أصحابه، ونزل: ((فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين)) (النساء: 84). وكان صدره بازراً للسيوف والرماح، يصرع الأبطال بين يديه ويذبح الكمأة أمام ناظريه، وهو باسم المحيَّا، طلق الوجه، ساكن النفس. وقد شُج صلى الله عليه وسلم في و جهه، وكُسرت رباعيته، وقتل سبعون من أصحابه فيما وهن ولا ضعف ولا خار، بل كأن أمضى من السيف، وبرز يوم بدر، وقاد المعركة بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه الشريفة. وكان أول من يَهُبُّ عند سماع المنادي بل هو الذي سن الجهاد، وحث عليه، وأمر به، وتكالبت عليه الأخزاب يوم الخندق من كل مكان وضاق الأمر، وحل الكرب، وبلغت القلوب الحناجر، وظن بالله الظنونا، وزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو، ويستغيث مولاه، حتى نصره ربه، ورد كيد عدوه، وأخزى خصومه، وأرسل عليهم ريجاً وجنوداً، وباؤوا بالخسران والهوان وهو القائل: ((والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل)).
أزهد من وطئت قدماه الثرى: كان زهده صلى الله عليه وسلم زهد من علم فناء الدنيا، وسرعة زوالها، وقلة زادها وقصد عمرها، وبقاء الآخرة، وما أعده الله لأوليائه فيها من نعيم مقيم، وأجر عظيم، وخلود دائم، فرفض صلى الله عليه و سلم الأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يسد الرمق، ويقيم الأود. مع العلم أن الدنيا عرضت عليه، وتزينت له، وأقبلت إليه، ولو أراد جبال الدنيا أن تكون ذهباً وفضة، لكانت، لكنه آثر الزهد والكفاف، فربما بات جائعاً، ويمر الشهر لا توقد في بيته نار. ويستمر الأيام طاوياً، لا يجد رديء التمر يسد به جوعه، وما شبغ من خبز الشعير ثلاث ليال متواليات، وكان ينام على الحصير حتى أثر في جنبه وربط الحجر على بطنه من الجوع، وكان ربما عرف أصحابه أثر الجوع في وجهه عليه الصلاة والسلام. أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة. | |
|